۞ امام علی (ع) می فرماید:
امام صادق عليه السلام فرمود: مسلمان برادر مسلمان اسـت بـه او ظلم نمى كند و وی را خوار نمى سازد و غیبت وی را نمى كند و وی را فریب نمى دهد و محروم نمى كند. ‌وسائل الشيعه 8: 597 ‌

موقعیت شما : صفحه اصلی » تفسیر مصطفی جلد 1
  • شناسه : 3165
  • 03 فوریه 2022 - 0:39
  • 57 بازدید
  • ارسال توسط :
  • نویسنده : تفسیر رضوان
  • منبع : حوزه علمیه اصفهان
مقدمه التحقیق _ سید مصطفی خمینی ره
مقدمه التحقیق _ تفسیر حاج آقا مصطفی خمینی ره

مقدمه التحقیق _ سید مصطفی خمینی ره

مقدّمة التحقيق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ القرآن الكريم هو الفرقان المستقيم و الذكر الحكيم و الكتاب العظيم و القسطاس القويم، و هو كتاب الهداية لسعادة البشر، يشتمل على القوانين التي يحتاجها في حياته الفردية و الاجتماعية و السياسية، و الروحية و المادّية. و هو الكتاب المعجز و المعجون الملكوتي الباهر، و الموسوعة الربّانية المليئة بالعجائب […]

مقدّمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

القرآن الكريم هو الفرقان المستقيم و الذكر الحكيم و الكتاب العظيم و القسطاس القويم، و هو كتاب الهداية لسعادة البشر، يشتمل على القوانين التي يحتاجها في حياته الفردية و الاجتماعية و السياسية، و الروحية و المادّية. و هو الكتاب المعجز و المعجون الملكوتي الباهر، و الموسوعة الربّانية المليئة بالعجائب و المحاسن، و الدستور السماويّ الخالد، الموافق لجميع الأعصار و الأمصار، الهادي إلى أعلى طريقة و أحسن أسلوب و سلوك في الحياة، و هو نور من الضلالة بجميع مراتبها، فهو كتاب من عند اللّه يحتوي على الحقائق الاعتقادية و الأخلاقية و الأفعال التي يجب الأخذ بها، و هو يشتمل على جميع أسباب الهداية، و هو رسالة اللّه تعالى إلى عباده أوحاها إلى خير خلقه و خاتم النبيّين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو معجزة الإسلام الخالدة و هو أحسن الخزائن الإلهيّة. هذه شذرات من كلمات العلّامة الشهيد قدّس سرّه في حق القرآن العظيم وردت في تفسيره هذا الذي نحن بصدد التقديم له.  و القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله اللّه تبارك و تعالى على رسوله الأكرم خير خلقه و خاتم النبيّين محمّد صلوات اللّه عليه و آله، التدبّر و التفكّر فيه عبادة من أفضل العبادات و أجلّها، دعا إليها ربّنا تبارك و تعالى في كتابه العزيز: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.  و القرآن هو الثّقل الأكبر الذي قرنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام و هم الثّقل الأصغر، و هذان الثقلان خلّفهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أمّته ليكونا سببا للهداية و النجاة ما إن تمسّكوا بهما، فهل أخذت الامّة بوصيّة نبيّها و استمسكت بخليفتيه فيها؟! أمّا الثقل الأصغر أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم فقد تركوا أحاديثهم و لم يقتفوا آثارهم و تخلّفوا عنهم و لم يأخذوا منهم قولا و لا عملا و لا عقيدة. و أمّا القرآن العظيم حبل اللّه المتين الممدود من السماء إلى الأرض فقد هجروه أيضا كما قال تعالى على لسان نبيّه الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً فقد تركوا هدايته و تعاليمه، و لم يتدبّروا آياته و لم يتأمّلوا في معانيه و لم يتخلّقوا بأخلاقه، و اكتفوا بقراءته بصوت حسن و التغنّي به بلحن جميل، كما أوضح ذلك إمام الامّة الراحل قدّس سرّه في مقدّمة وصيّته، و قد ذكر قدّس سرّه: أنّ الثقلين متلازمان لا يمكن التمسّك بأحدهما دون الآخر و أنّ ترك أحدهما معناه تركهما معا. هذا كما أنّ كثيرا من علماء الامّة قضوا أعمارهم بالبحث و التدقيق ببحوث جانبيّة بعيدة عن مقاصد القرآن العظيم، و لا تخدم أهدافه السماوية العالية، و اشتغلوا بمواضيع قليلة الجدوى في فهم الكتاب العزيز، بل و خاضوا فيما ليس له ارتباط في تفسير القرآن الكريم إلّا من بعيد؛ تضخيما لتفاسيرهم و تكثيرا لأجزائه، و تحميلا لكتاب اللّه ما لا يتحمّله بعيدا عن مقاصده و مراداته؛ إعلاء لشأنهم و إظهارا لعلومهم، فشطّوا عن الحقّ و عن أهداف القرآن العظيم في هداية الناس و إخراجهم من الظلمات إلى النور. إنّ واجب المفسّر لكتاب اللّه تعالى هو أن يستنطق آياته و يستنبط معانيه، و يغوص إلى أعماقه مستهديا بالقرآن العظيم و قرنائه، باحثا عن علومه و أنواره، ناشرا لمقاصده و أهدافه، مبيّنا لمرامه و مراده، كاشفا عن غوامضه و أسراره، سابرا لأعماقه و أغواره، و ذلك بحسب قدرته و عون اللّه له و توفيقه. و حين يبتعد المفسّر عن أهداف القرآن الكريم و يملأ تفسيره ببحوث قليلة الجدوى و أفكار لا ربط لها بمعاني القرآن السامية يصبح تفسيره موجبا للظلمة و الحجاب مانعا للنور و الهداية، فأين هذا التفسير من القرآن الذي انزل هدى للناس و نورا من الظلمات؟! فالتفسير علم عظيم مشتمل على علوم و فنون كثيرة، و مستلزم لمقوّمات عديدة يجب على المفسّر أن يتوفّر عليها، و إلّا فلا يقترب من هذا الحصن المنيع، و ليدعه لأهله العلماء الربّانيين و الأولياء العرفاء الذين تسبق أعمالهم أقوالهم و الذين أتعبوا للّه أبدانهم، و أسهروا في طلب العلم لياليهم و قضوا فيه أعمارهم. و هذا التفسير الماثل بين يديك، من التفاسير النادرة الحاوية على الفوائد العظيمة، و العلوم الكثيرة، و النكات العلمية المتنوّعة، و المواعظ الدينية النافعة، و الأخلاق الإسلامية الرفيعة، ممّا يحيي القلوب و يزيد المؤمن إيمانا و اطمئنانا و يشرح الصدور و يملؤها هداية و نورا.  و لا عجب حيث إنّ مؤلّفه جامع للمعقول و المنقول، عارف بالعلوم العربية من لغة و صرف و نحو و بلاغة و غيرها، ملمّ بالكلام و الحكمة و العرفان، و هو بعد ذلك فقيه اصوليّ بارع، و قد أخذ على نفسه مع توسّعه في تفسيره أن يتجنّب البحوث التي لا طائل تحتها و لا تمتّ إلى أهداف القرآن بصلة، و لا يجتني منها القارئ هداية و لا يكتسب منها نورا، و أن يهذّب كتابه هذا عن الآراء السقيمة و الوجوه الباردة الخالية عن النفع و الفائدة.  و قد اهتدى صاحب هذا التفسير بالسنّة المطهّرة و الأحاديث الشريفة في تفسيره هذا، كما عزّز آراءه بالدليل و البرهان؛ حيث إنّ السّنّة المطهّرة قرينة القرآن الكريم، و العقل الرشيد مؤيّد لهما و هاد إليهما، فهي جميعا متطابقة. و بهذا استطاع هذا المفسّر العلّامة أن يغور في فهم القرآن الكريم بدقّة و عمق، و يكشف عن أسرار الآيات الشريفة. و قد تميّز هذا التفسير فوق ذلك بتدقيقه في كلمات القرآن كلمة كلمة، مناقشا للغويّين في آرائهم، كاشفا عن مواطن خطئها، مبديا لرأيه في قبالهم عن علم و اجتهاد و تحقيق، و قد استفاد من ذلك كثيرا في تفسيره من خلال تأمّله في دقائق الألفاظ و تراكيب الكلام. هذا، و قد كتب الشهيد العلّامة تفسيره هذا الفريد في أسلوبه و طريقته الوحيد في شموليّته و استيعابه في النجف الأشرف حين اقصي عن وطنه مع والده الحكيم العارف العلّامة المحقّق البارع المجاهد الكبير الإمام الخمينيّ العظيم قدّس سرّه الشريف، و ذلك أثناء تدريسه تفسير القرآن الكريم. و لم تتّسع مهلة الحياة للعلّامة الشهيد لإتمام تفسيره هذا، و مع أنّه سيخرج للملأ العلمي- بإذن اللّه- في خمسة مجلّدات، إلّا أنّه لم يتجاوز الآية السادسة و الأربعين من سورة البقرة ابتداء من سورة الفاتحة. و قد تمّ طبع هذا الكتاب من قبل بجهد تلميذه حجّة الإسلام و المسلمين السيّد محمّد السجّادي شكر اللّه سعيه.و حين أشرفت على الحلول الذكرى السنويّة العشرون لاستشهاد العلّامة المصنّف قدّس سرّه، سعت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه باهتمام بالغ إلى تصحيحه و تحقيقه و طبعه مع ثلاثة و عشرين مجلّدا آخر من تراثه الغزير في الفقه و الأصول و الفلسفة.

منهجنا في تحقيق الكتاب‏

1) تصحيح الكتاب:

تمّت مقابلة المطبوع من هذا التفسير على النسخة الأصلية التي بخطّ المصنّف رحمه اللّه و المودعة في مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قدّس سرّه بقم المقدّسة، و قد قمنا بتصحيح المطبوع على هذه النسخة الخطّية، و لا يفوتنا أن نسجّل شكرنا للقائمين على إدارة هذه المكتبة على اهتمامهم بالأمر و تسهيلهم لنا مراجعة النسخة الأصلية كلّما احتجنا إلى ذلك، و حيث إنّ هذه النسخة الأصلية قد فقد منها بعض‏ الصفحات التي أضافها المصنّف تتميما لكثير من أبحاثه، فقد أثبتنا هذه الإضافات كما في الطبعة الاولى، إلّا بعض التصحيحات القياسية التي أجريناها عليها.

كما هناك بعض الصفحات الساقطة من الطبعة الاولى أضفناها إلى طبعتنا هذه، و بعض الصفحات تغيّرت مواضعها في الطبعة الاولى، أعدناها في طبعتنا هذه إلى موضعها الصحيح بحسب نسخة المؤلّف. و المراجع للنسخة الخطّية يجد إضافات للمصنّف رحمه اللّه قد تبلغ أحيانا عدّة صفحات، يكون موضعها في وسط إحدى الصفحات أو في ذيلها، و هذا الأمر يجعل في ربط المطالب و ترتيبها صعوبة ملحوظة.

2) وضع العناوين:

وضع المصنّف الشهيد قدّس سرّه عناوين في أعلى الصفحات من نسخته ترتبط بالفكرة التي تناولتها كلّ صفحة، و قد أثبتنا تلك العناوين في مواضعها الصحيحة. هذا بالنسبة إلى أكثر الجزء الأوّل، أمّا الصفحات التي خلت من العناوين سواء من الجزء الأوّل أو باقي الأجزاء، فقد أضفنا إليها عناوين مناسبة بحسب الحاجة.

3) تقويم النصّ:

نظرا لكثرة تصانيف الشهيد العلّامة قدّس سرّه في ذلك العمر القصير الملي‏ء بالأحداث الأليمة من سجن و تشريد و ملاحقة و مضايقات كثيرة، و كما كان قلمه سيّالا يفيض بدون توقّف- لتصحيح أو تعديل في عباراته- حفاظا على سلسلة أفكاره. لهذه الأسباب مجتمعة لم يتسع الوقت للمصنّف الشهيد قدّس سرّه لأن يعيد النظر فيما كتب، فكانت كتبه في الحقيقة مسودّات لم يجدّد فيها نظره الشريف، و لذا تجد بعض الجمل غير الفصيحة أو بعض الكلمات الفارسية، أو العجمة في تركيب بعض‏ الجمل و في بعض الضمائر، فتركنا ذلك على حاله، إلّا بعضا ممّا دعت الضرورة إليه؛ حفظا للأمانة و تأدية لها كما هي عليه.

4) التخريجات و توثيق النقول:

لقد قمنا بتخريج أكثر النصوص التي أوردها المصنّف في كتابه هذا سواء كانت آيات أو روايات أو أقوالا، بحسب المصادر المتوفّرة لدينا و بحسب الفرصة المتاحة لنا، و حيث إنّ تحقيق الكتاب- مقابلة و تصحيحا و تقويما و تخريجا- يحتاج إلى وقت وافر و مجال واسع لم يتح لنا، بل تمّ كلّ ذلك في سرعة و عجالة، فقد فاتنا العثور على بعض المصادر التي رجع إليها المصنّف رحمه اللّه، كما توفّرت للمصنّف في النجف الأشرف بعض المراجع غير المتوفّرة لدينا. و هذا هو عذرنا الذي نقدّمه للقرّاء الكرام؛ ليصفحوا عمّا يجدونه من نقص أو خطأ في التحقيق و الكمال لأهله. و اللّه وليّ التوفيق هو حسبنا و نعم الوكيل.

مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه فرع قم المقدّسة

الجزء الأول‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

و بعد:

فهذا تفسير القرآن الكريم و الفرقان المستقيم و الذكر الحكيم و الكتاب العظيم.

المقدّمة

هنا مسألتان:

المسألة الاولى ما هي حقيقة علم التفسير؟

قال ابن حيّان‏[1]: «لم أقف لأحد من علماء التفسير على رسم له.

فنقول:

التفسير في اللّغة الإبانة و الكشف؛ قاله ابن دريد … إلى أن قال: و أمّا الرّسم في الاصطلاح، فنقول: التفسير علم يبحث فيه عن كيفيّة النطق بألفاظ القرآن و مدلولاتها و أحكامها الإفراديّة و التركيبيّة و معانيها التي عليها حالة التركيب مع تتمّات لذلك»[2]. انتهى.

و الذي تقرّر:

أنّ لكلّ علم موضوعا، و ربّما يكون موضوع العلم عين موضوع مسائله، و ما هو موضوع علم التفسير في هذه المسألة هو القرآن بمجموعه، و موضوع مسائله أجزاؤه كعلم الجغرافيا.

______________________________
(1) قد عبّر المصنّف قدّس سرّه عن محمّد بن يوسف الأندلسي صاحب كتاب «البحر المحيط» بابن حيّان كثيرا و بأبي حيّان أحيانا.

(2) البحر المحيط 1: 13- 14.

و أمّا تعريفه:

فهو العلم بالمرادات و المقاصد الكامنة فيه بالإحاطة بها بقدر الطاقة البشريّة، و الإحاطة المطلقة غير ممكنة حتّى لمن نزل عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و ما جعله رسما له يرجع إلى انحلال علم التفسير إلى العلوم المختلفة، و عدم كونه علما مستقلّا قبال سائر العلوم المدوّنة.

و أمّا عوارضه الذاتيّة:

فهي ما تعرض لموضوعات مسائله من غير واسطة تورث مجازيّتها. و اتّضح من تعريفه ما هو حقيقتها.

و أمّا غايته:

فهو الوصول إلى درجة العقول في النيل بالأصول النازلة على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و شرافته 

بعد بعض العلوم- أكثر من سائر الفنون لشرافة موضوعه.

و له مبادئ تصوّريّة و تصديقيّة

من العلوم الأدبيّة الراجعة إلى فهم المفردات و المركّبات.

و حيث إنّ المحرّر في محلّه:

أنّ وحدة العلوم اعتباريّة، و ليست طبيعيّة و لا تأليفية، و هي تابعة لوحدة الموضوع‏[3]، فعلم التفسير: تارة يكون موضوعه مطلق الكتب السماويّة، و اخرى يكون كتابا خاصّا، و الذي هو موضوع علم التفسير في هذه الامّة هو القرآن العظيم و الكتاب الكريم، فيشبه علم الطبّ في السعة و الضيق بحسب سعة الموضوع و ضيقه.

و غير خفيّ:

أنّ مسائل هذا العلم ليست من القضايا الحقيقيّة، بل هي دائرة بين القضايا الخارجيّة و الشخصيّة.

______________________________
(1) انظر تحريرات في الأصول 1: 43.

و نحن قد بسطنا البحث حول هذه المسائل في موسوعتنا الاصوليّة[4]، و لمكان أنّ المفسّر لا بدّ أن لا يتجاوز عن مقصوده، و لا ينظر في بعض الفنون- التي من المبادئ التصوّريّة أو التصديقيّة لهذا العلم الشريف- نظرا ينتهي إليه مرامه، أشرنا إلى هذا النموذج الإجمالي، و نعتذر.

و إن شئت قلت:

إنّ علم التفسير علم طويل سلّمه، سميكة أفلاكه و أنجمه، بعيد الغور، غريب الطور، ذو سبل فجاج، متفنّن الطرق في الاستقامة و الاعوجاج، قلّما اهتدى إلى أغواره إلّا واحد بعد واحد؛ لأنّ كلام الكبرياء أجلّ من أن يكون شريعة لكل وارد، و قليل من الناس وصلوا إلى أسراره و هم مع ذلك ينادون من مكان بعيد؛ إذ موضوع هذا العلم- و هو القرآن- ليس له حدّ يقف إليه الأفهام، و ليس كغيره من كلام الأنام، و إنّما هو مقال الملك العلّام ذو عبارات للعلماء و إشارات و حقائق للأولياء و لطائف للأنبياء، بل هو بحر لجّيّ في قعره درر، و في ظاهره خبر، و الناس في التقاط درره و الوصول إلى خبره على مراتب متفاوتة.

و من أجل ذلك جاءت التفاسير مختلفة حسب اختلاف أهلها: فمنها ما يغلب عليه العربيّة و العلوم الأدبيّة من الإعراب و البيان، و منها ما يغلب عليه المجادلات الكلاميّة ممّا ظنّوها من الحكمة و البرهان، و منها ما يغلب عليه القصص و السّير، و منها ما يغلب عليه نقل الأحاديث و الخبر، و منها ما يغلب عليه التأويلات البعيدة و بيانات غريبة عجيبة؛ لأنّهم لم يأخذوا التفاسير من مشكاة النبوّة و الولاية.

______________________________
(1) انظر المصدر السابق 1: 7.

فالتفسير الجامع لمجامع العلوم و الأحكام، و الكافل للحقائق و الدقائق، و الشّامل للإشارات و العبارات، و الحاوي لاسّ مطالب الحكمة و العرفان، لم يتيسّر لأحد من العلماء و الحكماء، و لا يمكن ذلك إلّا لمن خصّ بهبة من اللّه تبارك و تعالى و وراثة من الأنبياء، و أخذ العلم من مشكاة الأولياء، و اقتبس قوّة قدسيّة و نورا من اللّه في قوالب إنسيّة.

و لنعم ما قيل بالفارسية:

جمع صورت با چنين معنى ژرف‏ نيست ممكن جز ز سلطان شگرف‏[5]

و قال الوالد المحقّق العارف برموز الكتاب و بعض أسراره: «إنّ تفسير القرآن لا يتيسّر إلّا للّه تعالى؛ لأنّه علمه النّازل، و لا يمكن الإحاطة به». المسألة الثانية ما هو سبب تسمية هذا المؤلّف القيّم بالقرآن و غيره من الأسماء المذكورة له؟

أسماؤه المعروفة أربعة:

1) القرآن:

كما في قوله في سورة الزخرف‏ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا[6]، و في موضع آخر من البقرة:

______________________________
(1) مثنوى معنوى، دفتر سوم، بيت 1393.

(2) الزخرف (43): 3.

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏[7]، و هذا يدلّ دون الأوّل؛ لأنّه أريد هناك معناه اللغوي.

و لعلّه سمّي بذلك لقوله تعالى في بدو الوحي و النزول: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏[8]، و المسمّى هو هذا المؤلّف الذي بين أيدي المسلمين.

فيكون بالوضع التعيّني كسائر الأسماء الموضوعة للمعاني الكلّيّة.

و نظيره كلمة «سلطان»، فإنّه مصدر أو اسم مصدر يطلق على الذات، فالقرآن يطلق على ذات هذا السّفر القيّم، نظير إطلاق الماء على الكلّ و الجزء.

2- الفرقان: كما في قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ‏[9].

3- الكتاب: كما في آيات‏[10].

4- الذكر: كما في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ[11] و غيرها.

و لكن هذه الثلاثة مشتركة بينه و بين سائر الكتب السماويّة، ففي قوله تعالى: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏[12]، و في موضع من سورة الأنبياء:

______________________________
(1) البقرة (2): 185.

(2) العلق (96): 1.

(3) الفرقان (25): 1.

(4) الآيات فيه كثيرة. انظر البقرة (2): 2، و آل عمران (3): 3، و العنكبوت (29): 51، و الأحقاف (46): 2.

(5) الحجر (15): 9.

(6) البقرة (2): 53.

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‏ وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ‏[13].

فعلى هذا يختصّ الاسم بالقرآن و لذلك اشتهر به، و ما وجدت في الكتاب العزيز إطلاقه على سائر الكتب.

و أمّا وجه التسمية و الإطلاق فهو معلوم لا يحتاج إلى الإطالة المنهيّ عنها و الإطناب المزعج.

و سيظهر وجوه توصيفه في خلال الآيات الشريفة- إن شاء اللّه تعالى- بأوصاف مختلفة و عناوين شتّى، فعلى هذا تزداد أسمائه و ألقابه إلى العشرات على ما ضبطه بعض المفسّرين‏[14]، و لا تنحصر بالأربعة، و غير خفيّ أنّ الخلط بين ما هو في حكم العلم و غيره، غير جائز.

و ما هو العلم لهذا الكتاب هو القرآن برفض خصوصيّة المعنى، بخلاف سائر الألقاب.

______________________________
(1) الأنبياء (21): 48.

(2) الإتقان في علوم القرآن 1: 178، روح المعاني 1: 33- 37.

[1] قد عبّر المصنّف قدّس سرّه عن محمّد بن يوسف الأندلسي صاحب كتاب« البحر المحيط» بابن حيّان كثيرا و بأبي حيّان أحيانا.

[2] البحر المحيط 1: 13- 14.

[3] انظر تحريرات في الأصول 1: 43.

[4] انظر المصدر السابق 1: 7.

[5] مثنوى معنوى، دفتر سوم، بيت 1393.

[6] الزخرف( 43): 3.

[7] البقرة( 2): 185.

[8] العلق( 96): 1.

[9] الفرقان( 25): 1.

[10] الآيات فيه كثيرة. انظر البقرة( 2): 2، و آل عمران( 3): 3، و العنكبوت( 29): 51، و الأحقاف( 46): 2.

[11] الحجر( 15): 9.

[12] البقرة( 2): 53.

[13] الأنبياء( 21): 48.

[14] الإتقان في علوم القرآن 1: 178، روح المعاني 1: 33- 37.

تفسير القرآن الكريم، مقدمة، ص: 5

Visits: 0

برچسب ها

این مطلب بدون برچسب می باشد.

پاسخ دادن

ایمیل شما منتشر نمی شود. فیلدهای ضروری را کامل کنید. *

*

New Page 1